مثلما يوجد أزواجٌ أوفياء أتقياء يحفظون معروف وجميل زوجاتهم، ويراعون الله فيهن، لا يَفجُرون عند خصامهن ولا يصفونهن بما ليس فيهن أو يفضحونهن إذا ما بدر منهن سوء أو إرتكبن ذنبا، ولا يسلبون ويأكلون حقوقهن عند تطليقهن، يوجد أيضًا في زماننا هذا من الأزواج من هم ذوو ذمم وضمائر خَرِبة وقلوب أشد قسوة من الحجر، ونفوس مريضة خسيسة تتخذ من الغدر والنَذالة والظلم سبيلًا للتعامل مع رفيقات العمر وأمهات أبنائهم إذا ما حدث خلافٌ لأي سبب تم على أثره الطلاق!.. إذ تحفل ساحات المحاكم وأروقة القضاء بالعديد والعديد من القضايا الأسرية المتمثلة في تعنت بعض الأزواج وإمتناعهم عن دفع النفقة، إلى جانب سب وقذف البعض لزوجاتهم والتشهير بهن والخوض في أعراضهن من باب وقف الحال وتلويث السمعة كي لا يستطعن بعد ذلك مواجهة المجتمع ومواصلة مشوار حياتهن مع أزواج آخرين، فضلًا عن تلفيق آخرين قضايا وجرائم لزوجاتهم لم يرتكبنها أصلًا بدافع الإنتقام والثأر أيضًا!..غير عابئين بخطورة ما يصنعون ويدبرون من مكائد وأباطيل على الأبناء الذين يصابون بكثير من العُقَد والأمراض النفسية والصحية، كما يعجزون عن التكيف والتواصل مع المجتمع بشكل سوي لشعورهم الدائم بالنقص والخزي والعار في بعض الأحيان!..
فمِن الناس من ينظرون إليهم بشفقة وعطف شديد، مُصِرّين على تذكيرهم دومًا بالأذى الذي لحق بهم، وبالبلاء الذي أصابهم ويعانون ويلاته على كافة المستويات.
ومنهم من يزدريهم ويؤذيهم بألفاظ وعبارات جارحة ونظرات قاسية وحادة طول الوقت وكأنهم يعاقبونهم لا لشيء إلا لكونهم أبناء هذه الأم أو ذاك الأب!..
فالطلاق بفضيحة لم يعد أمرًا غريبًا وعجيبًا كما كان من قبل، خاصة وأنه تفشى في كثير من مجتمعاتنا العربية التي ينعدم لدى أفرادها الوازع الديني وتقوى الله والخوف من عقابه في الدنيا والآخرة، والذين لا يأبهون بما جاء بالقرآن والسنة من أحكام وتعاليم سامية تسمو بمن يتدبرها ويطبقها في حياته خير تطبيق، وتهديه إلى الخير وإلى كل ما يصلح دنياه وآخرته، كما يفتقدون أبسط أبجديات الثقافة الحياتية والزوجية والتعامل مع معطيات الأمور المختلفة بشكل منضبط لا ضرر فيه ولا ضرار..
قال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوًا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم} [البقرة:231].
إذن، الإسلام يحفظ الحقوق والكرامات ويراعي جميع الحالات الواقعية التي يواجهها الناس، ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها، ولا يرغم الزوجة على حياة تنفر منها، وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه.
يعتبر الطلاق العلاج الأخير لعلة لا يجدي فيها سواه.. فإذا وقعت الطلقتان، فإما إمساك للزوجة بالمعروف، وإستكمال الحياة برضا من الطرفين، وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء، وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط جديد في الحياة، وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية، فلا يهملها حيث لا ينفع الإهمال، ولا يحل للرجل أن يستر شيئًا من الصداق أو يمتنع عن دفع النفقة لها ولأبنائها لإذلالها وعقابها إذا لم تصلح حياته معها، ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية، وتحس أن كراهيتها له أو نفورها منه سيؤدي بها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة أو العفة أو الأدب، فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه، وأن تعوضه عن تحطيم عش الزوجية بلا سبب متعمد منه، برد الصداق الذي أمهرها إياه، أو بنفقاته عليها كلها او بعضها، لتعصم نفسها من معصية الله وتعدي حدوده، وحتى لا تظلم نفسها وغيرها في هذه الحال.
اللهم احفظ بيوت العرب والمسلمين من الخراب والدمار وأَلِّف بين قلوب الأزواج والزوجات وأصلح ذات بينهم واكفِهم شر أنفسهم وشر من يفرقون بينهم من شياطين الإنس والجِن، وألهِمْ كل زوجة مظلومة ومفترى عليها الصبر والسلوان والقدرة على مكابدة ضغوط الحياة وتحمل ما لحق بها من ابتلاءات وأضرار، إنك ولي ذلك ومولاه.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.